Friday, November 12, 2010

قرأت قصة طريفة جرت أحداثها أثناء فترة حكم الرئيس المؤمن الراحل أنور السادات حيث كانت الفترة التي أطلق فيها العنان لغضبه وضيق صدره من الأصوات المعارضة له وكان من أحد أعلى الأصوات التي تنتمي إلى التيار السلفي شخص يدعى الشيخ كشك الذي كان معروفاً عنه شدة انتقاده للرئيس الراحل المهم يا سادة يا كرام أن الرئيس المؤمن صحا من نومه في أحد الأيام غاضباً حيث كان قد ورد إليه في أحد التقارير التي رفعتها إليه إحدى الجهات الأمنية ما تلفظ به الشيخ كشك في خطبة الجمعة السابقة لرفع التقرير المهم (عشان ماطولش عليكو ) أطلق عنان غضبه الرئيس الراحل وأمر بإعتقال الشيخ كشك ....وبعد فترة طالت أم قصرت خرج الشيخ من المعتقل ليعود إلى بيته شريطة ألا يعود مرة أخرى إلى منبر ذلك المسجد الشهير. وفي يوم الجمعة التالي لإطلاق سراحه إحتشد المئات من مريديه ومناصريه وأتباعه للإستماع إليه في خطبة الجمعة والصلاة خلفه....وانتظر المصلون أن يصعد إمامهم إلى المنبر ليلقي عليهم خطبة من خطبه الشهيرة ولما لم يصعد الشيخ ، ولما لم يكن موجوداًاصلاًبالمسجد فقد فرغ المصلون من الصلاة وإحتشدوا أمام المسجد بالمئات وكأنهم قد إتفقوا جميعا على التظاهر والتعبير عن غضبهم ونصرتهم لشيخهم الجليل. وإنتظم المتظاهرون في صفوفاً عدة وإنطلقت حناجرهم بالهتاف للشيخ والمطالبة بعودته مرة أخرى ليخطب على منبر المسجد الكبير ، ولحظة تلو الأخرى إرتفع الهتاف وزادت المظاهرة سخونة . ولم يدر أحد وقتها إلى أين ستسير الأمور والام سوف يفضي هذا الغضب العارم و بينما لاح الخطر في الأفق إذا بجراراً يسحب بمقطورة محملا عن أخره بكراتين البيض ( كان البيض في هذا الوقت هو البديل الرخيص للبروتين وكان توزيعه بالأسعار الأرخص يتم داخل محال حكومية يطلق عليها المجمعات الإستهلاكية ) تسلل الجرار حاملاً هذه الكمية الهائلة من كراتين البيض ووقف في هدوء شديد أمام المظاهرة . على الجانب الأخر لم تهدأ الحناجر ولم يخفت الصياح وظلت الحشود تطلق الشعارات المناهضة للدولة والمنددة بما حدث للشيخ ، وفي ذات اللحظة ومن أعلى الجرار مباشرة إنطلق صوت تباع الجرار معلاناً عن سعر خرافي لكرتونة البيض حيث كان السعر المعلن في المجمعات الإستهلاكية أكبر من السعر الذي يعلنه التباع ، كما أن الشراء من التباع لا يشترط الاطلاع على البطاقة التموينية لمن يرغب في شراء أي عدد من كراتين البيض .
إحدى الغرائز الانسانية للمجتمعات التي تتفاهم باللغة أن الشخص في هذه المجتمعات يثيره الفضول حينما يتكلم أحد الأشخاص ( مهما كان لا يعنيه أمره ) لسماع ما يقوله الأخر وهذا ما حدث يا سادة يا كرام شيئاً فشيئاً . بدأت أصوات المظاهرة في الخفوت فقد أراد كل متظاهراً من المتظاهرين ( اللذين تعلقت أنظارهم على البيض ) أن يسمعوا ما يقوله هذا التباع وشيئاً فشيئاً بدا أن صوت صوت التباع قد بدأ يعلو على صوت هذا الحشد الرهيب الذي يقف أمامه . المهم يا سادة يا كرام بدأ طرف المظاهرة الأقرب للجرار في النقصان شيئاً فشيئاً فقد بدأ الأفراد الواقفون في تلك الصفوف من الإنفصال عن تلك المظاهرة والإقتراب ببطء وحرص لإستطلاع أمر هذا الجرار ، ثم ما لبث أن تشجع أحد المتظاهرين وأخرج من الجيب العلوى لجلابيته ( كانت في ذلك الوقت الزي الإسلامي للإخوة إضافة على غطاءٍ للرأس وبنطلون قصير أسفل الجلابية ) تشجع هذا المتظاهر وأخرج نقوداً هي ثمن كرتونتين بيض بناءً على السعر الذي أعلنه التباع ، وشيئاً فشيئاً مرة أخرى إزداد عدد الأخوة حول الجرار وشيئاً فشيئاً تشجع التباع أكثر صائحاً ومهللاً بالسعر وفي بعض الأحيان راقصاً وهو يحمل كرتونة بيض في يده اليمنى. مالبثت المظاهرة أن تحولت إلى مجموعة من الكردونات التي تشكلت في البداية ببطء وفي النهاية بسرعة شديدة إلى أن حاصرت الجرار الذي عليه البيض...... زاد عدد الذين إشتروا .... وتفاوتت الكميات ما بين كرتونة واحدة وأربع كرتونات . كان المتظاهر بعد أن يفرغ من شراء البيض يعود مرة أخرى للوقوف في مكانه السابق في المظاهرة وبمنتهى الجدية ، وبعد حوالي نصف الساعة عادت المظاهرة إلى سابق عهدها وما لبث المتظاهرون وبعد أن إحتشدوا كالبنيان المرصوص في إطلاق العنان لحناجرهم مرة أخرى مناصرين الشيخ ومهددين ومتوعدين الحكومة بالويل والثبور وعظائم الأمور
كل الفرق بين ما حدث قبل وصول جرار البيض وبعد الشراء والعودة هو حرص المتظاهرين على عدم الاهتزاز كثيراً أثناء الهتاف وعدم التلويح بالأيدي أثناء التظاهر حيث كانت الأيادي تحمل كراتين البيض بمنتهى الحرص وفي لحظة واحدة انسحب جرار ومقطورة البيض (بعد أن فرغ جميع المتظاهرين من الشراء ) تاركاً المجال لأربع من سيارات الأمن المركزي (كان قد بدأ إستخدامه بعد أن شاهد الرئيس المؤمن قوات مكافحة الشغب في ألمانيا وأراد نقل التجربة إلى مصر ) إعتبر المتظاهرون ما يحدث إستفزازاً صريحاً من النظام ومن ثم إرتفعت الصيحات أكثر وأكثر...........وكرد فعل طبيعي في هذه الظروف المشحونه صدرت الاوامر لجنود الامن المركزي للترجل والاصطفاف خارج السيارات ...... وإطلاق صيحاتهم الشهيره
تلبد الجو وبدا ان العنف قادم لا محاله ...... لكن الغريب في الأمر وبعد وقت قصير لم يتعد الدقائق الخمس إذا بكل متظاهر يختلس النظر إلي ما يحمله بين يديه من بيض ثم يرفع نظره بإتجاه جنود الامن المركزي الذين بدأوا فو إصدار صيحات عاليه كما بدأوا بالقفز في أماكنهم ملوحين بعصيهم القصيره السوداء ، وكما حدث ذلك الاتفاق الغير معلن علي التجمهر ثم التظاهر ثم شراء البيض حدث إتفاق آخر لم ينطق به أحد ممن كانوا يصيحون منذ دقائق ...... فقد فكر جميع من كانوا في المظاهره أن الاشتباك مع قوات الامن لن يجدي شيئاً كما انه وهذا هو الاهم سوف يفضي بالتأكيد الي كسر كل البيض الذي يحمله المتظاهرون
حدث في تلك اللحظه شيئاً غريباً يشبه السحر فقد بدأت الحشود التي كانت تربض أمام المسجد في الانسحاب شيئاً فشيئاً من أمام جنود الامن المركزي وبعد وقت قصير (لم يتعد الساعه ) إنفضت المظاهره عن بكره أبيها فلم يستطع أحد ممن كانوا يطلقون الصيحات ويصبون اللعنات من مناصري الشيخ الجليل من تقبل فكره تحطيم البيض إذا ما حدث لاقدر الله إشتباك بين قوات الامن والمتظاهرين
أعزائي فلنحذر من ليس بحوزته بيض يخاف عليه وهم كثيرون في بلادي